جوهر الأشياء
بدا المُعسكرُ هادئاً هذا الصباحْ
إلا من نهيقٍ خافِتٍ ومن النباحْ
جلسَ الرجالُ بعدَ الفجرِ صلَّوا
يتلونَ آيَ الذكرِ عنوانَ الفَلاحْ
والنِسوةْ رباتُ البيوتِ بدنْ كنحلٍ
عكفنَ يعِدنَ الشايَ فاكهة الصباحْ
والصِبيةْ بعدَ الشاي هبَّوا
سِراعَ الخَطوِ إلى إلفُصولِ بإنشِراحْ
والصَبايا الغِِيدُ يحملنَ الأواني
بدأنَ البحثَ عن ماءٍ قُُراحْ
هذا ظاهرُ الأشياءِِ للإنسانِِ يبدو
لكنَّ جوهرَها مليءٌ بالدموعِ وبالكِفاحْ
فكوكبةُ الرجالِِ تخلَّت عن نضالٍ
خاضوه جسارةً قبلَ إجتياحْ
فلا زروعاً تستدعي البكورَ ولا حصاداً
ولا سِقاءَ هنا فأين هو (المُراحْ)؟
فقد شبعَِ الحصادُ والقُطْعانُ نهباً
فجاء نُزوحُهُم لتعتمل الجِراحْ
نعمْ .. تكفَّلَ طابورُ الكفافِ بسدِّ رُمقٍ
لكن هل من مَثيلٍ للعصيدةِ والمُلاحْ(*)؟
وفصولُ الصِبيةْ تحت الشمسِ كانت
مَمرَّاً للتلاسنُ والصِياحْ
هَوامُ الأرضِِ تلدغهم كعِيرٍ
وكم قسَتْ الظروفُ في درب النجاحْ
والغيدْ يمضينَ النهارَ بغيرِ جدوى
يبحثنَ عن ماءٍ قُراحٍ ولا قُُراحْ!
والنِسوةْ خرجنَ إلى الأكِمَّةِ يحتطِبنَ
خُضنَ المخاطِرَ في الغُدُوِِ وفي الرَواحْ
فالذئبُ يربُضُ باكِراً قُربَ الدروبِ
يُردِي الفرائسَ بالنيوبِ و بالسلاحْ
البيوتُ أعشاشٌ من الأسمالِِ خِيطَتْ
ومن الصفيحِ ومن سَقْطِ البِِطاحْ
فما صمدتْ أمامَ الغيثِ يَهمِي
وما صمدتْ كذلكَ في وجهِ الرياحْ
لقد تبدَّلت الظروفُ بفِعلِ جُرْمٍ
عنهُ الجميعُ لمصلحةٍ أشاحْ
وحُلْمُ العودةْ يعلو ثم يخْبو
وما من ثابتٍ غيرُ النواحْ!
هَوامُ الأرضِِ تلدغهم كعِيرٍ
وكم قسَتْ الظروفُ في درب النجاحْ
والغيدْ يمضينَ النهارَ بغيرِ جدوى
يبحثنَ عن ماءٍ قُراحٍ ولا قُُراحْ!
.................................
(*) الوجبة الشعبية في دارفور
........................................
ـ نُشرت هذه القصيدة فى موقع دنيا الرأى رابط :