منقو(*) لا تقبل وداعاًً
منذُ خمسٍ وخمسينَ عاماً مددتُ يدي
لمنقو زنبيري تبادلنا سلاما
وطَفِقتُ اركضُ تِلقاءَ الجنوبِ بهِمِّةٍ
وقد جرى منقو بكلِ طاقتِهِ شمالا
كي نلتقي نُلغي المسافاتِ الطويلةَ بيننا
و نُعلنُ إختيارَنا الحُرْ للوِفاقِ مآلا
ونقيمُ نفلَحُ أرضَنا المِعطاءةْ دوماً
وبرِيعِها نبني البلادَ حضارةً وأمانا
بعدَ أن تعاهدنا وقلناها معاً
(لا عاشَ من يفصِلُنا) بَتاتا
كانَ ركضي في البداياتِ حَثيثاً
مِثلَ منقو بَزَّ في العَدْوِ غزالا
غير أن المسافاتِ القديمةْ استطالتْ
وكذا النيلُ تمدَّدَ صار لا نهائياً تماما
والصحارى كلَّ حينٍ تتوالد
بينما الغاباتُ بالاكامِ إزدادتْ ظلاما
فكلما اجتزتُ احداها ترامَتْ
أقبلتْ من بعدها أخرى تِباعا
وبدا منقو كدولابِِ السواقي
ما دارَ دورنه الا وقد عادَ مِرارا!
و نمتْ كالنملِ أعدادُ الأفاعي
ملأتْ جوفَ الصحارى وما ابقت مسارا
مثلما الأدغال ضجَّتْ بالضَواري
كل دَغلٍ زاد عن ذي قبل نابا
واستقطبَ الركضُ أقواماً غِراباً
من كلِّ ناحيةٍ أتوا وقد جلبوا وبالا
وتكالبت شتّى الظروفِ على المسارِ
فتحوَّلَ العَهدُ الذي صُغنا سرابا
فما اكتملَ الوِصالُ وما استطعنا
حتى إلى نقطةِ البَدءِ إيابا
يا لوعةَ القلبِ المتيَّمِ بالتَلاقي
ويا حسرةَ الأملِ الذي ماتَ جِزافا
فهل كان الركضُ مسموما بحقٍّ
كي يجعلوا الفصلَ النهائيَ خِتاماً؟!
ام هو (الفَييءُ) الذي سال بعزمٍ
غيَّر العهدَ الذي لُكْنا زماناً ؟!
فماتت الأحلامُ مثلَ أزهارِ الربيعِ
حينما النيلُ ترجَّلْ أعطى للفييء مجالا
كيف نسقي الزهر فيئاً
بعد ان ذاقَ من النيل زُلالا؟!
منقو قُل (لا عاشَ من فرَّقنا)
وكُنْ على العهدِ لا تقبلْ وداعا
فسياتي بعد الفصل يومٌ
نلتقي .. نصنعُ الوِحدةَ فِِعلاً لا كلاما
......................................
(*) منقو: المواطن من جنوب السودان
....................................
ـ نُشرت هذه القصيدة فى موقع دنيا الرأى رابط :